بلال فضل يكتب عن الفتنة الطائفية

بلال فضل يكتب عن الفتنة الطائفية

بقلم/ بلال فضل
يسألوننى: يا سيدى إنت واجع قلبك ليه، إنت مالك بس ومال موضوع الفتنة الطائفية، ثم يقولون كلاما لا أحب أن أنشره لفرط تفاهته التى تجعله شديد الخطورة، فتفاهة الآراء تجعل مناقشتها مهمة مستحيلة، ولذلك يستحيل مناقشة أغلب ما يثير الفتنة الطائفية فى بلادنا..
ولهذا السبب تحديدا أصبحت مصر تتأخر فى كل شىء إلا فى مجال الفتنة الطائفية، فهى تحقق كل يوم إنجازات مذهلة تحتاج الشعوب المتقدمة إلى وقت طويل لتحقيقها، بينما نحن نتفوق على أنفسنا فيها، دون أن ندرى أننا نسير فى سكة ندامة حقيقية لن ينفعنا فيها الكذب على النفس وكبس الجراح ببن مغشوش ماركة عاش الهلال مع الصليب...
والله العظيم مليون مرة، الموضوع أخطر مما نتصور، لو كانت الحكاية على قد خناقة الخنازير التى يختلط فيها الجهل بالتعصب، أو على قد حادث تفجير الزيتون الدنىء الذى أحبطه الله بلطفه، أو على قد تنصّر هذا وإسلام تلك، لهانت الغمة ورجونا لها دفعًا قريبًا وانكشافًا عاجلاً، لكن الحكاية أصبحت مصير وطن بحاله...
أرجوكم لا تتهمونى بالمبالغة، واسمحوا لى أن أنكد عليكم صباحكم وأطلب منكم أن تتذكروا لوهلة المصائر المظلمة التى أفضت إليها أوطان كانت تظن نفسها زى الفل، مثل لبنان والعراق والسودان، كانت كلما حدثها أحد عن الآتى المظلم كابرت وغلوشت على صوته برفع صوت الأغانى الوطنية لتقنع نفسها أنها بخير، ثم صارت كما ترى الشر بره وبعيد عن بلدنا...
لكى لا تتهمنى بأننى من هواة «الأفورة» الدرامية، خذ عندك على سبيل المثال لا الحصر هذه الرسالة المريرة التى جاءتنى من القارئة داليا عيسى مصداقا لما أقوله:
«... أواجه هذه الأيام مشكلة كبيرة فى تعريف الأديان مع بناتى، أنا مقتنعة تماما أن لا أحد يملك مفاتيح الجنة، وأن جميع الأديان مصدرها واحد فلا يوجد دين يقول إن السرقة أو القتل حلال، لكن المشكلة فى ابنتى ذات العشرة أعوام فهى كل يوم تأتى لى بقصة غريبة عن المسيحية...
أمس قالت لى عندما طلبت منها أن تعيِّد على زملائها المسيحيين، فقالت الفصل كله مش بيكلمهم ودلوقتى أنا الوحيدة اللى بالعب معاهم وده خلاّ الفصل كله يخاصمنى علشان حرام نتعامل مع المسيحيين الكفرة.. الضغط المجتمعى الذى يمارسه هؤلاء الأطفال على ابنتى أكبر من قدرتها على المواجهة، فماذا أفعل؟...
ليس هذا فى المدرسة فقط بل أيضا فى مكتبة الإسكندرية هذا المكان الذى وجدت فيه اشياء كثيرة كنا نفتقدها مع تحفظات كبيرة على الأسعار المغالى فيها للأنشطة، اصطحبت بناتى مع أبناء إحدى الصديقات المسيحيات وجميعهم يمارسون الرياضة سويا فقامت معركة بينهم وبين أطفال آخرين، حيث عايروا البنات بأنهم يعرفوا مسيحيين، مش عارفة أعمل إيه؟ ...
أصمم على موقفى مع علمى بالأذى اللى باسببه لبناتى، أكبرهم فى العاشرة والأخرى فى الثامنة، باحاول أشرح الفروق بين الأديان وأربيهم على احترام الآخر لكن الموجة عالية جدا جدا.. احنا رايحيين لفين ساعدنى علشان أفهم»...
يا سيدتى إحنا رايحين فى داهية لو لم نتوقف فورا عن هذا التعصب المقيت الذى نمارسه جميعا بحق بعضنا البعض، مسلمين ومسيحيين لا أستثنى أحدا، ولو لم نغيّر فورا من مداخلنا القديمة المبتذلة لمواجهة الفتنة الطائفية التى أصبحت تتحور بشكل أعتى من فيروسات الأنفلونزا...
للأسف سيكون ذلك صعبا فى دولة تسمح بأن يتخطى القساوسة والرهبان دورهم الشرعى ويصبحوا وكلاء سياسيين للأقباط، بعد أن فشلت فى أن تدمج الأقباط فى المجتمع المدنى، واستخدمت التعصب وسيلة للمزايدة على تيارات الإسلام السياسى...
وشجعت انتشار الجهل والتطرف، وجعلت الثقافة تنكفئ داخل القاعات المكيفة وخلف الأغلفة المصقولة، وفضلت استخدام ضباط أمن الدولة فى كى جراح الطائفية بدلا من فتح الجراح وتطهيرها بالمواطنة والمساواة والعدالة والتنمية، واختارت تصدير الطرشة ومشايخ الفتة بالخل والثوم ومنظرة موائد الوحدة الوطنية، بدلا من تصدير قامات سامقة فذة مثل د. محمد سليم العوا وفهمى هويدى...
والأول له كتاب بديع اسمه «للدين والوطن» صدر منذ عام ونصف عن دار نهضة مصر ولم يلق حقه من الاهتمام، مع أنه يخوض الطريق الصعب الحقيقى الذى نحتاجه لكى لا تتكرر فتنة الكشح ومهزلة وفاء قسطنطين...
والثانى له كتاب قيم قديم متجدد اسمه «مواطنون لا ذمّيون» صدر من زمان عن دار الشروق، وبُحّت أصوات الكثيرين وأنا منهم فى المطالبة بتدريسه لشباب مصر، ولو كان أبناء أمة اقرأ قد قرأوا هذين الكتابين لما عادت إليك ابنتك كل يوم بقصة غريبة عن المسيحية...
ولما بدأنا نسمع القصص الغريبة التى بدأ صوت المسيحيين المتعصبين يعلو بها، ولكنّا جميعا للأسف لم نشغل أنفسنا بشىء غير الاستمرار الحثيث فى الحفر، مع أننا وصلنا إلى القاع...
* يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص.

تاريخ نشر الخبر : 19/05/2009

اشكرك خادم الرب على تثبيت الموضوع

الرب يباركك